|
جريدة البديل الثلاثاء 8 يناير 2009 نافذة على الوطن رحيل الفتي الشهم أخيرا حدث ما كنا نتخوف منه منذ الإعلان عن اختفاء وسيم صلاح حسين في موسكو منذ 19 يونيو 2008، فقد تأكدنا أنه قتل في ذات التاريخ بشكل إجرامي بشع بحيث لم يتم التعرف عليه إلا بعد أن أرسلت والدته من القاهرة تحليل الحمض النووي (دي. إن. إيه) الخاص بها.
وسيم هو الابن الأوسط للمناضل صلاح حسين الذي اغتالته يد الإقطاع الآثمة في إبريل 1966 والمناضلة شاهندة مقلد التي كرست حياتها لقضايا الفلاحين، وقد تقابلت لأول مرة مع وسيم صلاح الدين في ظروف بالغة الصعوبة وكان طوق النجاة بالنسبة لي. منذ نحو عشر سنوات كنت ذاهبا للصين لحضور مؤتمر تنظمه الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولم أجد إلا تذكرة عن طريق شركة مصر للطيران إلى موسكو ثم الخطوط الصينية من موسكو إلى بكين، ولسبب من الأسباب تأخرت الطائرة نحو ساعة في مطار القاهرة وهو أمر لم أهتم به كثيرا لأن موعد الطائرة الصينية كان بعد ساعتين من موعد الوصول الأصلي، وقد كنت واهما حيث اكتشفت بعد وصولي نتيجة للبيروقراطية الروسية وإهمال موظفي مصر للطيران أنني لن أتمكن من الذهاب إلى الصين وأن علي الانتظار في المطار حتى عودة طائرة مصر للطيران بعد ثلاثة أيام كي أستقلها عائدا للقاهرة. اكتشفت أن الفندق أقرب للسجن لأنه مخصص للمسافرين الذين لا يحملون تأشيرة لدخول روسيا، لذا فجميع الشبابيك مثبت عليها قضبان حديدية، وجميع الأبواب عليها حراسة مشددة، شعرت بجوع شديد بعد بضعة ساعات فذهبت للمطعم بثقة لأكتشف أنهم لا يقبلون إلا العملة الروسية وأنه لا يوجد بنك بهذا الفندق لتحويل العملة، في هذه الأثناء كنت أحاول الاتصال بمكتب مصر للطيران في روسيا لترتيب رحلة بديلة للصين والاتصال بالفندق وإخبارهم أنهم سيدفعون المصاريف لأنهم سبب وجودي فيه، وفي غياهب اليأس تذكرت أن زوجتي كانت قد كلمتني عن وسيم صديق الطفولة لها ولأخوتها، وأنه يمتلك شركة سياحية بموسكو، فسألت موظف مصر للطيران إذا ما كان يعرفه فقال أنه يعرفه فقلت له رجاء قل له أنا فلان زوج فلانة وأريده أن يكلمني. كنت كالغريق الذي يتعلق بقشة، ولكن في خلال ساعة وجدت وسيم يتصل بي ويتحدث معي بحفاوة بالغة كأنه يعرفني منذ زمن، وأخبرني أنه في الطريق، وبالفعل جاء وأحضر معه نقودا روسية، ولا أذكر كيف عرف أن هذا اليوم يوافق عيد ميلادي فقد أحضر معه أيضا تورتة وبعض المأكولات والمشروبات، لكن الأهم أنه دخل علي بوجه باسم لم أره في يوم بغيره، فقد كان يحمل روح طفل يمتلك القدرة على الاندهاش ولا يكره أحدا، علمت بعد ذلك أن هذا كان طبعه وأنه كان شهما ولم يبخل أبدا على محتاج بالمساعدة قابلته بعد ذلك في القاهرة عدة مرات، وكان دائما بوجهه الضاحك وعينيه الضاحكتين اللتين تشعان حب ودفء يتحدث عن تلك الليلة في موسكو وكيف أنه كاد أن يقبض عليه لأن الفندق يعتبر منطقة محظورة، قبل أن ينتقل إلى الحاضر وشوقه للعودة إلى مصر للاستقرار فيها. لا أعرف ما إذا كان جثمانه سينجح في العودة ليستقر بجوار جثمان أبيه في كمشيش أم لا، فهناك صعوبات من جانب الروس، فهل تساعد الدولة مواطن ميت فشلت في معاونته حيا على العودة لأرض أجداده؟ سواء عاد أو لم يعد أقول له من أعماق قلبي إلى اللقاء أيها الفتى الشهم. |
يجب توجيه الأسئلة والمشكلات المتعلقة بموقع ويب
هذا إلى الحملة الإعلامية لمتابعة قضية مقتل وسيم صلاح حسين. . كافة الحقوق محفوظة. |