|
(1) معلقة فوق مكتبة في إطار بديع مغطى بزجاج من البلور الصافي، شهادة لم يعد لها معنى، دكتوراه مع مرتبة الشرف، في القانون الدولي. ظل يتطلع إليها ممتلئا بمشاعر من الأسى والإحباط. تقمص دور محامي يترافع متسلحاً بأسانيد ووثائق وبنود قانون دولي ضرب به عرض الحائط وقرارات أمم لم تعد متحدة بعد أن ساد شعار لتمرير روح الهوان تحت ما سمي بالمصلحة العامة التي اتضح أنها المصالح الخاصة بعد أن تم الربط بين العام والخاص وأصبحت الدول مكبلة بعدة قوانين إلزامية على الطرف الأضعف وتحولت الحقوق الشرعية للأمم إلى مجرد كلمات بلا معني فوق أوراق لا تساوي مجرد الحبر الذي كتبت به. انتابه حزن عميق اختزنه سنوات طوال، وتحسر قلبه على كل تلك الأيام التي ضاعت هباءً وهذا العناء الذي كابده في دراسة المعاهدات الدولية ومعاييرها وسبل محاسبة مخالفيها طافت كل هذه المعاني على خاطره مثل كابوس رهيب يجثم فوق صدره يكاد أن يخنقه. لم يحتمل هذا الواقع الأليم حمل سكين وخرج وعند أول حاجز رفع يده عالية وأحكم التصويب إلى صدر الجندي المحتل. في الصباح وفي صدر الصفحة الأولي لصحف العدو كتب بالبنط العريض – قتل إرهابي بعد طعنه لجندي في جيش الاحتلال.
(2) صرخ الجندي في الصبي يأمره بالتوقف.. تقدم نحو الفتي بخطوات مرتجفة. تداعت في ذاكرته آخر عملية تعرضوا لها. أعداد القتلى والجرحى صوت الرجال والنساء وهم يصرخون. لماذا نبقي هنا ؟ لماذا لا نرحل عائدين من حيث أتينا ؟ أخذ يحدث نفسه ما هو الهدف الذي دفعه إلى الرحيل عن وطنه روسيا بعد أن اشتري ما يثبت أن جدته يهودية الديانة، ومشقة وقوفه في طابور استخراج الأوراق اللازمة لرحيله نحو بلد الأمن والأمان كما قيل له. إنه منذ أن وطئت أقدامه أرض هذه المدينة لم يجد سوي الدمار والخوف وعدم الأمان. امتد أمامه الزمن كدهر، تعثر في حجر، ارتجف "العوزي" في يده. توقف. أخذ يسترق النظر وجفونه لا تكاد تثبت في مكانها، كأنها آلة تصوير متطورة. نظر في عيون الصبي وجدها تلمع مثل لؤلؤة جميلة في بحر رائق صافي. أمعن البصر وابتسامة متعالية تكسو وجهه في كبرياء وعزة. تداخلت نظراتها. انهزمت عيناه تحت ضغط ذلك الإصرار المنبعث من عيني الفتي. تسمرت قدماه وأبت أن تطاوعه على التقدم، تدارك الموقف أشار له أمضي في طريقك، مرت دقائق معدودة وإذا بصوت انفجار يدوي يصم الآذان. وأغنية جميلة تداعب مسامع الفتي: " جابو الشهيد جابوه وبعلم الثورة لفوه ... يا فرحة أمه وأبوه " انتهي المشهد
|
يجب توجيه الأسئلة والمشكلات المتعلقة بموقع ويب
هذا إلى الحملة الإعلامية لمتابعة قضية مقتل وسيم صلاح حسين. . كافة الحقوق محفوظة. |